أخبار عاجلة
الرئيسية / تعليم جديد / البحث الإجرائي ودوره في تطوير المعلم مهنياً

البحث الإجرائي ودوره في تطوير المعلم مهنياً

Spread the love

إن منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية التي تعتمد على المعارف العلمية الدقيقة، والتغير المتسارع الذي يشمل جميع المؤسسات التربوية المختلفة، تحتاج إلى معلم ذي تفكير منظم، يتجاوز حدود نقل المعارف وتلقينها إلى تنظيمها، ومعرفة كيفية استخدامها، تأكيداً على ضرورة وجود معلم قادر على إنتاج معارف جديدة، تساعد التلاميذ على اتخاذ القرارات وتهيئتهم للأدوار المستقبلية (بخيت،2012).

ومن هنا كانت التوجهات والمقترحات التي تستهدف تحسين وتطوير إعداد معلم التعليم العام ورفع مستواه، حيث يشكل ذلك الخطوة الأساسية في إصلاح وتطوير النظام التعليمي، ومواجهة مشكلاته ليكون معلماً، متفكراً، مهنياً، وممارساً باحثاً (اللمعي،2019). لذلك كانت الحاجة ملحة لأن يقوم الممارسون “المعلمون” بالبحوث التربوية لأنهم أقرب للواقع التربوي والأقدر على مواجهة المشكلات التي تعترضهم في ممارسة العملية التعليمية (بخيت،2012).

سيناقش هذا المقال دور البحوث الإجرائية في تحسين وتطوير المعلم مهنياً؛ وذلك من خلال المحاور التالية؛ مفهوم البحث الاجرائي ومسمياته، ودوره في التطوير المهني للمعلم، ثم موضوعات الدراسة التي تهم المعلم الباحث.

تتعدد مسميات البحث الاجرائي كما ذكره كلاً من (عطيفه، 2007. والسيد والعمري،2015) وذلك تبعاً لبعض الترجمات المختلفة، فقد يسمى بالبحث الموقفي، وبعضهم بحث الفعل أو بحث العمل كما ترجمه آخرون ببحث الممارسة أو المهنة، كما يسمى أيضاً بحث التحسن أو بحث الأداء، ويعرفها العرفج (2020) إجرائياً بأنها عمليات تأملية يقوم بها المعلم بهدف تطوير أدائه وممارسته التعليمية وحل المشكلات والتحديات التي يواجهها بأسس ونظريات علمية وفق خطة وإجراءات ممنهجة لإحداث التغييرات أو التحسينات المرجوة، ويعتبر قورة (2016) البحث الاجرائي في التعليم بأنه دراسة لفهم وتحسين جودة العملية التعليمية داخل المدرسة وذلك عن طريق حل القضايا داخل الصفوف.

وفي خضم المنافسة البحثية المحمودة، أشار بخيت (2012) إلى بروز أزمة ثقة بين قطبي البحث  في الميدان التعليمي، الباحث التربوي والمعلم الباحث، حيث يرى الباحثون التربويون بأن المعلمين أقل قدرة على تحديد المشكلات الحقيقة في الميدان، بالإضافة لعدم امتلاكهم  للمهارات البحثية التي يتمتع بها الباحثون التربويون، وأن دورهم لا يعدوا أن يكون مادة أو موضوع بحث تربوي، وأضاف أيضاً بأن “هذا ما ينفيه المعلمون تماماً، فهم أقدر من غيرهم على اقتراح موضوعات البحوث من وجهة نظرهم، لكونهم يقضون وقتاً أطول في الميدان، ويعرفون الاحتياجات التي يصعب على من يأتي من خارج المدرسة أن يعرفها بدقة، وأن المعلمين ينظرون إلى البحوث التي ينفذها الباحثون بأنها بعيدة عن الواقع وغالباً ما تكون موجهه لتقييم الممارسات دون تقديم بدائل لهذه الممارسات” (بخيت،2012.ص 1488).

لابد من معرفة أن العمل البحثي من أهم أدوار المعلم الحديثة (بخيت،2012)، كونها سبب في تكوين الشخصية المهنية المتفكرة، التي تحفز على تجديد الممارسة المهنية، لتحسين الأداء المهني في المؤسسات التربوية، ولتكون عوناً على بناء ثقافة مهنية، تنمي روح حل المشكلات لدى الممارسين التربويين في الميدان، وتخلق فرصاً للتنمية المهنية للعاملين في الميدان التربوي (ضحاوي،2013)، وأكدت خجا (2018) على أن البحث الإجرائي يرتبط بالمشكلات التي تواجه المعلم كباحث وتعطيه دافعية قوية للتفكير والعمل والرغبة المستمرة في الوصول إلى نتائج محددة، وأن المعلم عندما يقوم بالبحث الإجرائي ويجد حلولا للمشكلات التي تواجهه، يشعر بتحسن أدائه وزيادة قدرته على العمل والإنتاج. وأوضح بخيت (2012) أن ما يميز البحث الاجرائي داخل الصف أن الباحث هو ذات الشخص الذي يستخدم نتائج البحث في تطوير عمله، والفكرة من الأساس تقوم على المعلم الباحث الذي يعمل في بيئة مليئة بالمشكلات ويكون هدفه فحص الواقع الذي يعمل فيه، ويجري بحثاً إجرائياً، يستفيد هو من نتائجه أولاً في التحسين والتطوير.

لقد ساهمت البحوث الإجرائية في خلق فرص أفضل وفهم أعمق لردم الفجوة بين النظرية والممارسة لتصبح أكثر انعكاسا داخل الفصل الدراسي بدمج المعرفة النظرية مع ممارستهم لتحقيق التكامل وخلق الصلة والثقة (العرفج،2020)، وترتبط البحوث الإجرائية بالممارسة التفكرية، فالبحث الإجرائي والممارسة التفكرية وجهان لعملة واحدة هي حل المشكلات، وأولى الناس بحل هذ المشكلات هم أصحابها من التربويين، وهو ما يتطلب، امتلاك المعارف والمهارات اللازمة للقيام بالبحث الإجرائي (ضحاوي،2013)، ومن هنا يتأصل في البحث الاجرائي مفهوم المعلم الباحث، وتؤكد على وجوب أن المعلم الباحث يجمع بين التأمل في الممارسات لتحسينها وتطويرها وفهمها كما أورد كلاً من (المزيني والمزروع،2012)، ” إن المعلم شريك فاعل داخل الصف، ومراقب لعملية التعلم، ومفسر للمعلومات المتوفرة في بيئة الصف، مستخدم لتلك المعلومات قاعدةً للتخطيط واتخاذ القرارات، كما تساعده الملاحظات، وعملية جمع البيانات في تحويلة من متأمل إلى باحث إجرائي” (بخيت،2012.ص 1488)،  وبذلك يمكننا القول بأن التفكير التأملي جزء لا يتجزأ عن البحث الإجرائي، يكتسب المعلم من خلاله مهارات كبيرة وفق أسس عملية نظرية ممنهجة تشمل (الملاحظة، التخطيط، الإجراء، التقويم، ومن ثم التأمل)، بهدف حل المشكلات، وتطوير الممارسات وتحسين الأداء داخل الصف (العرفج 2020).

ومما لا شك فيه أن من يتنقل خلال هذه المراحل، سيكتسب بالتأكيد الخبرة الكافية في هذا الجانب، ذكر (عطيفة،2013) بأن البحث الإجرائي يبقي المعلم في حالة إعداد وتدريب مستمر. لتجعله متمرساً قادراً على التمييز بين بحث وآخر، و ملاحظاً للتطورات الجديدة في الميدان، وهو ما قامت عليه الحاجة بحسب رأي (العرفج ،2020) بأن المعلم المتمرس قادر على توفير الفرص وتطويرها، وإبراز أساليبه الخاصة لتوظيفها والتعامل مع المواقف المتنوعة، كي تقوده إلى تهيئة الظروف للتعلم الدائم، وتعلم استراتيجيات جديدة تساعده على رفع مستويات التعلم في عملية دورية يقوم بها في المجتمع المهني، تقوده إلى تطوير المهارات والأفكار للبناء على نقاط القوة الموجودة، ومعالجة نقاط الضعف في هذا التعلم، بتطبيق تلك الاستراتيجيات والأفكار، وتحليل أثرها، ومن ثم تطبيقها في دورة التحسين المستمر، ويضيف أيضاً أن المعلم الباحث الممارس الذي تتوفر فيه المهارات والكفايات، لا يتوقف عند تطويع الخبرات والممارسات، والأداءات التربوية، التي يتحتم عليه خوضها، بل يتعدى ذلك إلى تقييم وتقويم جميع أبعاد العملية التعليمية والتربوية وتدقيق معطياتها وفاعليتها بما يحسن الأداء ويعالج القضايا ضمن إطار تطوير المهارات والاتجاهات المطلوبة للعمل والأداء بفاعلية.

تتمثل موضوعات المعلم الباحث التي ذكرها قندوز(2015) في قضايا تمّثل اهتماماً شخصياً له في مهنته، مشكلات تظهر من الرغبة في تحسين تعّلم التلاميذ، ومشكلات تنبع من الرغبة في تحسين المنهاج الدراسي، وتكييف استراتيجيات التعليم والتقويم، ومشكلات تنبع من الرغبة في النمو المهني الشخصي للمدرس، من خلال تحليل المعتقدات الشخصية أو أسلوب التدريس، وفهم ما الذي يؤثر في نمو ممارسة المعلمين، ومشكلات تتعلق بقضايا المدرسة بمفهومها الواسع أو في السياق الاجتماعي، وطرق انخراط العائلات وأفراد المجتمع في المدرسة، ولا تستهدف تحسين الممارسات التدريسية فقط، بل تتعداها إلى جوانب اجتماعية ووجدانية متعلقة بالمعلم، بما يؤدي إلى التنمية المهنية الشاملة.

لقد تطرقنا في هذه المقالة إلى ثلاثة عناصر رئيسية لدور البحث الإجرائي في التطوير المهني للمعلم، الأول أن العمل البحثي من أهم أدوار المعلم الحديثة، وأحد أسباب تكوين الشخصية المهنية المتفكرة، والثاني مساهمتها في خلق فرص أفضل لفهم أعمق لردم الفجوة بين النظرية والممارسة، من خلال استثمار المعلم لمهاراته اليومية في التأمل وتحويلها إلى بحوث إجرائية للجمع بين النظريات والتأمل في الممارسات اليومية للتحسين، ثالثاً إبقاء المعلم في حال تدريب مستمر للمساهمة في زيادة الارتباط والدافعية، وجعل المعلم مؤهلاً ومتمتعاً بأعلى درجة من الكفاية، ليصبح أكثر قدرة على حل المشاكل الخاصة بمهنته وأكثر كفاءة في الحكم وسلامة التقدير.

تعليم جديد