أخبار عاجلة
الرئيسية / تعليم جديد / كيف تكون معلمًا فاعلًا مختصًا

كيف تكون معلمًا فاعلًا مختصًا

Spread the love

كتب – د. محمد دلكي 

إن الملاحظة أول وسائل التعلم، وهي كذلك أول خطوات التقييم. وقد هيأ لي وجودي في البيئة التعليمية جوا ملائما للملاحظة والتقييم، بل والبناء على ذلك تعلما وتعليما، إنه لحافزٌ كبير يدفعني للتفكير باعتباري معلما مختصا بالعربية: كيف يكون تعليمي تعليما فاعلا في ضوء ما نعيشه من تراجع في العملية التعليمية عموما، والإعراض عن التعلم من لدن الطلاب؟ إن ذلك السؤال كان سببا للتأمل الذي يفضي إلى أسئلة أخرى قد تنبني عليها إجابات لاحقا فتتشكل في صورة تخطيط فعال قابل للتنفيذ الفعال الذي يؤدي –بدوره- إلى تعليم فعال، فأؤدي دوري معلما فاعلا مختصا.

لقد لَحَظْتُ أن الطلبة ينظرون إلى درس العربية ومعلمها على أنهما جزء من التراث وحقبة منسية من حقب الماضي، أقصد أنهم لا يرون العربية وأهلها ينتمون لروح العصر. لقد أشعرني ذلك بالحزن طبعا، فهذا يتعلق بمشكلة ثقافية –عموما- ليس المحل محلا لنقاشها ولكنها تحز في الهُوية، وتبعا لذلك فقد ارتأيت أن أعوض النقص الحاصل عبر الكفايات وأدائها على أكمل وجه، فقد “شهدت الأيام الأخيرة، اتساعا في الفجوة بين احتياجات الطلاب التعليمية-التربوية، وقدرات المعلمـين المهنيـة عـلى مواكبـة التغيـيرات الحضـارية السريعـة. حيـث تـزداد الحاجة إلى توظيف العديد من الوسائل والأساليب والاستراتيجيات” (منصور، 8). وطبعا، فإن من قدرات المعلمين المهنية اليوم الكفايات التقنية، فرأيت حلا للمشكلة سالفة الذكر أن أقدم نفسي لهم: الأستاذ الأميز في استخدام التطبيقات الحاسوبية المعاصرة في التعليم التفاعلي معتمدا على تنمية جانب العلاقات مع الطلاب، إذ إن الثقة في المعلم هي حجر الزاوية الذي ينبني عليه كل شيء لاحقا، فكيف يتقبل الطالب من أستاذ لا يحبه، أو يراه من خارج السياق؛ إذن، كان لا بد من ردم الهوة وكسر أفق التوقع لدى الطلبة بما يعيد بناء المهدوم ويعزز صورة المعلم ليكون ذلك جسرا لبناء علاقات فاعلة ينبني عليها درس فعال تجتمع فيه التكنولوجيا بالعربية -لغة وأدبا- في بيئة من الحب والألفة.

وفعلا، وبناء على مفهوم القدوة، فقد حضرت درسي تحضيرا تفاعليا. حولت الدرس الجاف في الكتاب إلى شرائح تفاعلية في برنامج العروض التقديمية ممهدا لكل مهارة بنشاط تفاعلي يكسر جليد المسافة بين الطالب والمادة، فالاستماع يمهد له بفيديو من يوتيوب، والمحادثة تحولت إلى منصة “تيديكس” تقديما وحوارات، أما النص فقد بثثت فيه الحياة عبر إحضار الكتاب الأصلي المقتبس منه (كتاب الأيام) ثم عرضت وثائقيا من إحدى القنوات عن طه حسين تعمدت أن يكون فيه فنيات عالية في الإخراج والمونتاج خاصة على مستوى الجرافيك، ثم قدمت النص على أنه معلومات ثقافية عامية، وتحول تعليم نص الدرس عبر التعليم التعاوني إلى حالة مقهى ثقافي مقسم الطاولات، قد اجتمع كل أربعة رفاق على طاولة يتجاذبون أطراف الحوار إذ “إن استخدام التعليم التعاوني استخداما مستمرا، يجعـل مـن غرفـة الصـف مكانـا جيـدا ومريحـا ويخلـق جـوا تدريسيا إيجابيا.” (العساف، 24) وهذا ما اتفق معه تماما، أما المعجم والدلالة فلم أطلب من الطلبة كما عهدوا: أن يحفظوا الكلمات، بل قلت لهم: “بين أيديكم الأجهزة استخرجوا معاني الكلمات من معجم المعاني (موقع إلكتروني) ثم قيدوها عندكم وفعّلوها في جمل على طريقة السؤال والجواب داخل مجموعاتكم”، ثم قسمنا الصف فريقين متنافسين وطبقنا اللعبة اللغوية: “الكرسي الساخن” مما جعل الأجواء حماسية تفاعلية، وزاد انبهارهم حينما رأوا الدرس قد تحول في المواقع الإلكترونية -وكأنه لعبة كالتي يمارسونها دوما- تارة في موقع “بوك ويدجيت” وأخرى في موقع “وورد وول”، وتعجبوا أن الواجب لم يكن: “حل الأسئلة”، بل: “تحدث في فيديو لمدة 3 دقائق في موضوع يتعلق بالدرس وأرسله لي في الشبكة.”

نعم، إن الموقف السابق قد كسر الصورة النمطية في أذهان الطلبة عن العربية وأستاذها، فأحسوا فعلا أن العربية لسان حي وأنها جزء من يومنا إن لم تكن هي يومنا كله ففيها نفكر وبها نعبر. لقد استطعت –بذلك- أن أعيد بناء الثقة حتى غدا الطلاب ينتظرون درسي من بين الدروس بشوق واهتمام، إذ أدى استخدام الوسائل التكنولوجية وتقديمها بطريقة تفاعلية إلى “تحسـين التعليـم، مـن خـلال المـادة العلميـة المقدمـة و طريقـة تقديمهـا، و تحفيـزالمتعلم على البحث عن المعلومة، عبر خلق الدافعية لديه” (حميدشة ، 7)، نعم. إنني أتفق مع ذلك تماما، فتملك الكفاية العلمية وحدها لم يعد كافيا، لا بد أن يمتلك المعلم التفاعلية إلى جانبها الكفاية التكنولوجية والاجتماعية والثقافية أيضا، لأن اللغات –بطبيعتها- تتماس مع كل المواضيع، ولا بد للمعلم –تبعا لذلك- أن يكون واعيا حتى يكون قدوة مقنعة لطلابه. وبناء على ما حصل معي وبعد التأمل والاستنتاج، وجدت أنْ لا بد أن ينعكس أثر هذه التجربة وهذه النتيجة على تخطيطي وطريقة تعليمي؛ فليس ذنبا للطالب أن يعيش غربة اللغة؛ وإنما ذلك نتيجة لواقع يحيا فيه، خارج عن إرادته، عموما.

في ضوء ما سبق، بدأت أركز على تطوير مهاراتي الحاسوبية أكثر، فشاركت في دورة المعلم الرقمي، وحضرت عددا من دورات منصة إدراك و”جوجل” وغيرها، إضافة إلى متابعة بعض القنوات المختصة في اليوتيوب، ثم جعلت تلك المعرفة جزءا لا يتجزأ من تخطيطي للدروس، وبدأت أطبق ذلك في دروسي التي أصبحت أشبه بـ”بوفيه مفتوح” يجد الطالب فيه ما يشتهي، ويتعلم دون أن يشعر بالملل أو الجهد، إلى جانب تركيزي على الجانب المهاراتي والنحو الوظيفي بدلا من صرف الوقت على النحو الوصفي الذي لا يحتاجه الطلاب في واقع الأمر”فمقتــضى التدريــس الوظيفــي التربــوي، أن يتــم توظيــف مكتســبات اللغــة العربيــة كملــكات لغويــة تواصليــة، ومعــارف ومهــارات، في حيــاة المتعلمــين، بالتعبــير بلغــة عربيــة ســليمة، محترمــة لقواعــد النحــو، مســتوفية لــشروط الاتســاق والانســجام المطلوبــة في خطــاب المتعلمــين تبعــا لمســتواهم الــدراسي، وهــذا جوهــر بيداغوجيــا الكفايــات” (صديقي، 2)، ولأنني أؤمن بذلك، فإنني أقمت عليه دروسي في جو من الألعاب اللغوية واستراتيجيات التدريس الفعالة.

وبناء على هذه التجربة التي استفاد منها معلمو المواد الأخرى أيضا، قررت أن أخرج من إطار الغرفة الصفية بتشكيل نادي اللغة العربية في غرفة خاصة اتفقت والطلبة أن نعيش فيها مع العربية بقصصها وروايتها وأشعارها وأي موضوع مكتوب بها فكانت هي وعاءه. نحدد موضوعا ما ثم نلتقي في الموعد ونتجاذب أطراف الحديث بالفصحى، فبدأت معارف الطلبة تتنامى وعلاقتهم بالعربية تجنح نحو الحب، وكان من نتائج هذه اللقاءات أن أنشأ الطلاب موقعا لخدمة اللغة العربية وطلبتها في كل المدارس، وقناة يوتيوب تقدم العربية بصورة جميلة مستندين على خبراتهم ومعارفهم في الحاسوب وأعمال التصوير والمونتاج. وبذلك، أصبح التعليم واقعا معيشا، وحدثا فعالا، ونموذجا يحتذى.

تعليم جديد