أخبار عاجلة
الرئيسية / تعليم جديد / طرائق التدريس الحديثة وأثرها في تنمية مهارات التفكير في الرياضيات

طرائق التدريس الحديثة وأثرها في تنمية مهارات التفكير في الرياضيات

Spread the love

كتب د- عماد عواد بروق
لم يعد التعليم تعليما قائما على إكساب المتعلم قدرا من المعرفة سرعان ما تختفي بانتهاء الغاية منها، بل تعدى ذلك لإكساب المتعلم القدرة على توليد المعرفة وابتكارها.

وقد تم اعتبار التفكير هو الهدف الأساس من التعلم، حيث تم التركيز على ما يدور في ذهن المتعلم، وعليه يرى العديد من التربويين أن المعرفة المتخصصة لن تصبح مهمة لجيل المستقبل، بل الأهمية في معاملتها ذهنيا من خلال آلية يطلق عليها ” تعليم التفكير”، كذلك اعتبار مهارة التفكير عملية ذهنية أدائية تُوظَّف في مجالات التعلم وفروع المعرفة المختلفة، حيث أصبحت في قمة أولويات النظم التربوية المتقدمة في العالم (جروان، 2008).

وعبر الحضارات الإنسانية المتعاقبة كان الاهتمام بتعليم وتعلم الرياضيات هو الأبرز في حياة الإنسان، لما تمتاز به من طرائق تنظيم وأساليب منطقية من شأنها إيقاظ التفكير، وبناء العقول، كما أنها تنمي لدى الطلبة مهارات فكرية متعددة، إضافة إلى أنها تنمي لديهم روح الحس الجمالي من خلال مسائلها المختلفة وأشكالها الهندسية. ولذا فقد حدث تطور كبير في استخدام الرياضيات في العلوم المختلفة، رافعة تغيير وتطور في نوعية وكمية الرياضيات التي يجب أن يتعلمها الطالب عبر المراحل الدراسية المختلفة.

اشارت وثيقة المجلس الوطني لمعلمي الولايات المتحدة الأمريكية (The National Council of Teachers of Mathematics (NCTM)) على التركيز على تنمية القوة الرياضية للطالب باعتباره احدى الأهداف الرئيسة لتعلم الرياضيات ((NCTM, 2000، وقد أكدت الدراسات التربوية كدراسة (الشرعه،2017؛ الريان، (2019 أهمية تنمية مهارات التفكير بأنواعه المتعددة لدى المتعلم، لِما لها من دور إيجابي في تحسين القوة الرياضية بعملياتها الثلاث التواصل الرياضي والتي تتمثل في مقدرة المتعلم على استخدام لغة الرياضيات في نقل الأفكار للآخرين لفظيا أو كتابيا والتأمل في أفكار الآخرين، والترابط الرياضي، والتي تتمثل في مقدرة المتعلم على الربط بين الأفكار والعلاقات الرياضية من خلال المعرفة المفاهيمية والإجرائية في حل المشكلات الرياضية، وصولا لاتخاذ القرار للحل الأمثل.

كما دعت النظريات الحديثة كالنظرية البنائية ((Constructivism Theory لبرونر(Bruner)؛ والتي اهتمت بالمتعلم على اعتبار أنه بانٍ للمعرفة وليس متلقٍ لها فحسب، وعلى أهمية التفاعل في وسط اجتماعي، والذي له دور هام في اكتسابه للمعارف اللازمة له لكي يكون تعلمه ذو معنى، ونظرية المنظمات المتقدمة (Advanced Organization Theory) لأوزبيل Ozuobil)) والتي اهتمت بضرورة التعلم من أجل الفهم واهتمت أيضا بربط المعرفة السابقة للمتعلم بالمعرفة الجديدة، كما دعت هذه النظريات التربوية إلى ضرورة الاهتمام بما يدور في ذهن المتعلم من عمليات عقلية لترسيخ الفهم عند الطلبة، ونظرية النمو المعرفي (Cognitive Development Theory) لبياجيه (Piaget)، والتي تقترح مراعاة النمو العقلي للمتعلم وخصائصه النفسية وخاصة مفاهيم التمثيل، والمواءمة، والاستدخال عند عرض أي مادة جديدة، حيث يقسم بياجيه عملية التعلم إلى: تمثيل- مواءمة- استدخال (للمعرفة الجديدة في البناء المعرفي للمتعلم)، كما وتعطي نظرية بياجيه دورا هاما للإرشاد والتوجيه والتأكيد على البناء المعرفي، ونظرية التعلم ((Learning Theory لجانييه (Gagne)، حيث يرى أن التعلم هو التغير الذي يطرأ على مقدرة المتعلم وسلوكه بحيث لا يعزى هذا التغير لعمليات النمو، ويظهر هذا التغير على شكل تغير في السلوك، أو يمكن الاستدلال عليه بمقارنة ما كان عليه سلوك المتعلم قبل وبعد دخول المتعلم لموقف التعلم وعلى قدرة المتعلم على الإنجاز في أي شكل من الأشكال.

وعلى صعيد آخر؛ فقد اكدت الدراسات التربوية (الوهيبي، 2019؛ الرويلي، (2018على أن اشراك الطلبة في مواقف تعليمية غنية بالتفاعلات الصفية تعمل على تنمية مهارات التفكير العليا لديهم: التفكير الناقد والتي تتحدد مهاراته في؛ الاستنتاج: وهو إيجاد معلومات جديدة من المعلومات المتوفرة، والمقارنة: وهي إيجاد أوجه التشابه والاختلاف بين مفهومين أو أكثر، والتحليل: وهو تجزئة المعلومات إلى أجزاء صغيرة، والترتيب والتصنيف: وهو ترتيب المفاهيم أو الأشياء بناءً على معايير محددة، واتخاذ القرار: وهو تعرف المشكلة ووضع الفرضيات للوصول إلى الخيار الأفضل، والبحث والتقصي: ويعني البحث عن معلومات للإجابة عن سؤال موجه (علي والزغول، (2009، والتفكير الإبداعي والتي تتحدد مهاراته كما أشار لها (جروان، (2008في: الطلاقة: وهي القدرة على إنتاج أكير قدر من الأفكار الإبداعية في وقت قصير نسبيا، والمرونة وهي القدرة على توليد أفكار متنوعة ليست من نوع الأفكار المتوقعة وتحويل أو توجيه مسار التفكير مع تغير المثير أو متطلبات الموقف، والأصالة: وهي قدرة المتعلم على إنتاج أفكار أصيلة (أي قليلة التكرار)، والتفاصيل: وهي القدرة على إعطاء إضافات جديدة لفكرة معينة، والحساسية للمشكلات: وهي القدرة على سرعة إدراك ما لا يدركه غيره في الموقف من مشكلات أو جوانب ضعف، وحل المشكلات والتي تتحدد مهاراته في: تحديد المشكلة: وتعنى الإحاطة بالمعلومات المتوفرة وغير المتوفرة فيها ومعرفة الهدف المراد الوصول إليه إضافة إلى الصعوبات التي تعيق تحقيقه، وتمثيل المشكلة: وتعني تجسيدها في صورة أشكال أو رموز أو كلمات أو رسوم بيانية، واختيار خطة الحل: ويعني اختيار الخطة الملائمة لنمط المشكلة من بين أنماط مختلفة، وتنفيذ خطة الحل: وتتمثل في ضبط العمليات وإزالة المعيقات وملائمة الإجراءات، وتقويم الحل: ويتمثل في صياغة المخرجات وفقا للهدف والخطوات والتأكد من سلامتها ، واتخاذ القرار والتي تتحدد مهاراته في؛ تحديد المشكلة التي تتعلق بالقرار، وتحديد البدائل وتحليلها، وتجريب البدائل، واختيار البديل المناسب، ومن ثم اتخاذ القرار(الخطيب وعبابنه، 2011).

علاوة على أن دراسات أخرى كدراسة (كنعان، 2017)، والتي أظهرت الأثر الإيجابي لتصحيح التصورات الخاطئة لدى الطلبة في تعلم الرياضيات في تثبيت الفهم لديهم، بحيث يكون تعلمهم للرياضيات قائما على التفكير، والفهم العميقين.

وتكمن أهمية تعلم الرياضيات لما تمتاز به الرياضيات بأنها: لغة العلوم حيث أن كثير من العلوم كالفيزياء والكيمياء والفلك والإحصاء تعتبر مسائل الرياضيات جزءا أساسيا لموضوعات كثيرة فيها حتى يكاد يكون مستحيلا فهم تلك العلوم بمنأى عن فهم الرياضيات، وطرق الاستدلال والتي يعود للرياضيات الفضل في تحديد منهجيتها، الأمر الذي أدى إلى ابتكار طرق تعلم وتعليم في الرياضيات امتد أثرها إلى المواد الأخرى، والرياضيات علم قائم على التفكير المنطقي حيث أن اكساب المتعلم لمهارات التفكير المنطقي تضفي على شخصيته الاتزان في طرح الموضوعات والموضوعية في التفكير والدقة في استخلاص النتائج، وتعمل الرياضيات على تنمية القيم والاتجاهات الصحيحة والسامية كسعة الصدر والتحلي بالصبر والتأني في الحل وزيادة التركيز فيه كما أنها تبعث في النفس نشوة النصر والبهجة عندما تتكلل محاولات الحل بالنجاح، والتجريد في الرياضيات والذي يعتبر السمة الأبرز في الرياضيات والذي يعتبر مؤشرا على تطور العقل البشري، ورقي الفكر الإنساني (الزعبي، (2008، والرياضيات عقل التكنولوجيا، والتي يدين التطور التكنولوجي لعصرها الحالي بالفضل للرياضيات؛ لما كان لها من دور في إعداد البرامج والتطبيقات الحاسوبية المتنوعة، ومن هذه التطبيقات Math Papa، Mathematica، Advanced Grapher، Basic Algebra Shape-Up، Function Grapher، Equation Grapher، MatheMax Pro، Geogebra…الخ، حيث أكدت العديد من الدراسات التربوية كدراسة (البطاينه، (2019، أهمية مثل هذه البرامج الحاسوبية في تنمية مهارات التفكير الرياضي، وحل المسائل الرياضية بوقت مناسب، وتحسين اتجاهات الطلبة نحو تعلم الرياضيات.

كما اكدت دراسات تربوية كدراسة (المحمود، 2020)، أهمية معرفة الطالب بأخطائه في الحل، وعلى دور المعلم في تحليل الأخطاء، وتوضيحها للطالب، في جو يتسم بالاحترام، وأن الخطأ “ليس عيبا”، مما يبعث الثقة في نفس الطالب، ورفع كفاءته في الحل؛ من خلال تغيير مسار تفكيره للاتجاه السليم، وتقييم نفسه بنفسه؛ من خلال مشاركة زملائه في النقاشات، والحوارات ألرياضية؛ وما لهذا من أهمية في تنمية مهاراته العقلية في حل المهام الرياضية.

وفي جانب أخر أكدت دراسات تربوية أخرى كدراسة (نجم، 2016)، أهمية انخراط الطالب في أنشطة، ومواقف تعليمية، تحاكي الحياة الواقعية للطالب، وأثرها الإيجابي في تنمية مهارات التفكير لديه.

كل ما سبق وغيره فرض أعباء على التربويين في استكشاف طرائق، وأساليب تدريس حديثة، مستقاة من النظريات التربوية المتعددة؛ كاستراتيجية التدريس التبادلي، واستراتيجية التدريس التوالدي، واستراتيجية السقالات التعليمية، واستراتيجية KWL، واستراتيجية SQ4R، واستراتيجية الأنشطة الإثرائية….الخ، وتغذية المناهج الرياضية بأنشطة تعليمية، ليس هدفها إثراء الطالب بكم معرفي فحسب، وانما تنمية قدراته الذهنية والمهارية، للعمل على خلق جيل من الناشئة المبدعين، ليساهموا في تحمل المسؤولية في الارتقاء بمجتمعاتهم.

تعليم جديد