أخبار عاجلة
الرئيسية / تعليم جديد / التأمل وآلية ممارسته للتطوير المهني للمعلم

التأمل وآلية ممارسته للتطوير المهني للمعلم

Spread the love

يعتبر المعلم أهم عامل في تحسين التعليم وجودته لأنه العنصر الأساسي الأول لنجاح العملية أو فشلها (أبو سلطان وأبو عسكر،2017). لذلك يكمُن العبء الأكبر في تشكيل تجربة المتعلم حتى يتمكن من مواجهة التغييرات الحالية والمستقبلية؛ إذ أن المعلم هم المرشد الفكري والعملي للعملية التعليمية. إن الإصلاح التربوي يعتمد على إصلاح المعلمين؛ إذ لا يمكن أن تتحقق فاعلية نظام التعليم بدون صلاحية المعلم وقدرة الأداء المتميزة، كما أن هذه الصلاحية تعتمد بشكل كبير على الإعداد المناسب للأجيال القادمة من قبل المعلم (الحفناوي وآخرون، 2015).
ونظراً لهذه الأهمية فإن المقال سيلقي الضوء على استراتيجية الممارسات التأملية ودورها في التطوير المهني للمعلمين، وسنتناول ثلاثة محاور.

المحور الأول: مفهوم الممارسات التأملية ودورها

عرف عبيدات (2017) الممارسات التأملية بأنها ” هي أحد الطرق التي يتعلمها المهنيون من خلال الخبرة من أجل فهم وتطوير ممارساتهم، وتعتمد على أن يتعلم الفرد من خلال التفكير في الأشياء التي حدثت له ورؤيتها بطريقة مختلفة، والتي تمكنه من اتخاذ نوع العمل المناسب”. وعرفها محمد (2020) الممارسات التأملية أيضا بأنها ” قدرة المعلم على تبصر الأحداث والمواقف التعليمية التي تتم داخل الفصل الدراسي، وتحليلها إلى عناصرها للوصول إلى استنتاجات وتفسيرات تساعده في إجراء التعديلات المطلوبة لحل ما يعترضه من مشكلات تدريسية وتحقيق الأهداف التعليمية.

ويتجلى دور الممارسات التأملية في أنها تساعد على بناء الخبرات وتطويرها، وتعد من أسس عمليات التعليم والتعلم، وهذا ما أكد عليه المفكر “ديوي” في كتابة (كيف نفكر؟)، حيث أنه من الضروري أن يمارس المعلمون التأمل ضمن البيئة والمجتمع التي تحدث فيها عملية التعلم، لأنه بطبيعة الحال سيقوده الى تنويع العمل، ومن ثم التطوير في أساليب التدريس، ومن هنا يتم تحسن مستوى الأداء (محمد، 2020). كما يتجسد دور الممارسات التأملية فى أنها تساعد بشكل كبير في وعي المعلمين بالإمكانيات المتاحة، وبالاستخدام الجيد والأفضل للمعرفة، وتنمية مهارات الملاحظة والتقييم الذاتي للممارسات التدريسية، لتتحقق الأهداف التعليمية بشكل أفضل، وتمنح المعلم فرصة للتطوير المهني الذاتي واكتساب أفضل للكفايات التدريسية (المالكي، 2020).

المحور الثاني: مهارات الممارسات التأملية وأنماط التأمل

ذكرت دراسة عبيدات (2017) أن التأمل عملية ثلاثية تتضمن (الخبرة المباشرة، تحليل المعتقدات، التجربة والقيم)، فهي تؤدي إلى التحليل واكتشاف كل جوانب الجسد والعقل؛ فالممارسة التأملية من خلالها تتمثل أنشطة المخ بأكمله.

إن التدريس التأملي يتطلب أن يكون المعلم متمكنا من تغيير الأسلوب الذي يتبعه، من حيث أنه يشجعهم على تحمل قدر من المسؤولية، ويجعلهم متمكنين من تعلمهم ونموهم المهني. وتغيير الأسلوب للمعلم هنا ليس فقط من خلال تزويده بالمعلومات والمعارف في مرحلة الإعداد، بل من خلال توعيته بالطرق التي تساعده على التنمية المهنية على المستوى الفردي أو الجماعي من حيث الملاحظة والتحليل والنقد الهادف المستمر لممارساته التدريسية.

وهناك عدة أنماط للتأمل كما ذُكرت في دراسة محمد (2020). فقد حدد “جاي وجونسون” ثلاث أنماط من السلوك التأملي هي:

  • النمط الأول: التأمل الوصفي حيث يقوم المعلمون بوصف الموضوعات التي يتم تأملها ويفكرون بها، وغالبا ما يستخدمون سؤال (ماذا يحدث؟). وفي هذا النمط لا يكتفون بسرد الحقائق والوقائع كما هي، بل يهتمون بالوصف والمقصد لمعرفة الخصائص الأساسية للموقف الذي يتأملونه.
  • النمط الثاني: التأمل المقارن، إذ أنه في هذا النمط يقوم المعلمون بمقارنة عددٍ من التفسيرات للموضوع، ويرونها من مناظير ورؤى مختلفة، وتفيد المقارنة هنا في فتح المجال لاحتمالات متعددة من مصادر مختلفة مما يؤدي الى رؤية الموضوع من وجهة نظر مختلفة كوجهات نظر أصحاب العملية التعليمية. وما يميز التأمل المقارن أنه يسعى إلى آراء مختلفة لفتح الآفاق والتنوير للآراء المحدودة.
  • النمط الثالث: هو التأمل التقويمي، وفيه يسعى المعلمون المتأملون لإعطاء أحكام، حيث يُنظر للموضوع في ضوء التفسيرات المختلفة، ويرى أنها في تحسن وهنا يصبح السؤال (ما هو السبيل الأفضل لأداء هذا العمل؟).
  • المحور الثالث: مراحل الممارسات التأملية في التدريس ونماذج التأمل وأدواته

هنالك ثلاث مراحل تدريسية تأملية اقترحت من قبل شون عام 1989:

المرحلة الأولى هي التأمل في التخطيط للتدريس؛ وتكون باتباع المعلم لطرق ذهنية يعرف من خلالها تنظيم الأنشطة والسلوكيات التعليمية المتبعة والنتائج المراد الوصول لها. ثم تأتي المرحلة الثانية، وهي التأمل أثناء تنفيذ الدرس؛ وتكون باتباع المعلم لطرق ذهنية يستطيع من خلالها معرفة واقع ممارساته التعليمية فيكون قادراً على إجراء التعديلات المناسبة. بعد ذلك تأتي المرحلة الثالثة وهي التأمل في تقويم التدريس؛ وتكون باتباع المعلم لطرق ذهنية يعرف من خلالها نتائج سلوكياته التعليمية، ثم نقدها ذاتياً مما يساهم في وضع تصورات لسلوكيات معدلة (محمد، 2020).

كما أن هنالك عدة نماذج للممارسات التأملية منها: نموذج جرينواي ونموذج بود، كلا النموذجين يحتويان على ثلاث مراحل. نموذج جرينواي يبدأ بالتخطيط ثم التنفيذ وأخيراً المراجعة. أما نموذج بود يبدأ باستعادة الخبرة لملاحظة الحدث كما تم بالضبط، ثم استحضار المشاعر والاستجابات الانفعالية ومحاولة تحسينها لتكون إيجابية، بعد ذلك تأتي مرحلة التقويم (حسن، 2013). من أشهر نماذج الممارسات التأملية أيضاً هناك نموذج جيبس 1999والذى عرضت فيه إجراءات واضحة لعملية التأمل. ووفقاً لنموذج جيبس؛ فهناك ست خطوات لعملية التأمل: هي وصف ما حدث، الإحساس بما يتم التفكير فيه، التقويم الذى يحكم على جودة الخبرات من خلاله، التحليل للوصول إلى معنى مفهوم للحالة الراهنة، ثم الوصول من خلال الاستنتاج إلى ما يأمل تحقيقه، وأخيراً العمل على وضع خطة إجرائية للإجراءات المستقبلية لحل المشكلات في حال بروزها مرة أخرى (العمرى، 2018).

ومن أدوات الممارسة التأملية التي تساعد المعلمين على القيام بأعمالهم المهنية وتطويرها وتحسينها المذكرة اليومية؛ حيث يسجل المعلم ملاحظاته بداخلها. وكذلك التعلم التعاوني الذي يعتمد على حوار المعلم مع زملائه حول تجاربهم في عملية التدريس. وأيضاً تصوير الدروس حيث يعتبر من الوسائل التي تساعد المعلم على التأمل في نقاط ضعفه ثم الحصول على بعض الأفكار لتحسينها. ويمكن للمعلم الاستفادة من ملاحظات أقرانه بدعوتهم لحضور دروسه أو الاستفادة من ملاحظات طلابه عن طريق عمل استبيانات بسيطة. وأخيراً بحوث العمل حيث تعتبر من الأدوات التي تساعد على حل المشكلات تدريجيا عن طريق تحديد المشكلة، ثم وضع أسبابها والحلول المحتملة، ومن ثم محاولة تطبيقها (عبيدات، 2017).

وتلخيصاً لما سبق ذكره في هذا المقال؛ فإن الممارسات التأملية تعد للمعلم ولطريقة تدريسه مدخلاً موجهاً نحو تطويره المهني الذاتي، فتساهم في بناء الأفكار الإبداعية، والوصول إلى مستويات التفكير العليا كالتفكير الناقد، من خلال المهارات والممارسات والمراحل التي يمر بها المعلم المتأمل. لذلك أصبحت هذه المهارة ضرورية لأننا نعيش في زمن التنمية الذاتية والوعي، وهو ما يتطلب من المعلم التدريب المستمر ليفيد المدرسة أو المؤسسة التعليمية.

تعليم جديد