أخبار عاجلة
الرئيسية / تعليم جديد / رؤية جديدة حول استقلالية المعلم و حرية التدريس

رؤية جديدة حول استقلالية المعلم و حرية التدريس

Spread the love
كتب – د ح/ أحمد عبد الباقي
مقدمة

تتحدث النظريات التربوية الحديثة عن معلم القرن الحادي والعشرين، الذي لا يقتصر دوره على نقل المعرفة للمتعلمين، وإكسابهم المهارات، بل تتجه الأنظار اليوم نحو المعلم الذي يبني شخصية المتعلمين المتكاملة معرفيًا ومهاريًا ووجدانيًا، وينمّي لديهم مهارات القرن الحادي والعشرين: ومنها طرائق التفكير المختلفة مثل التفكير النقدي والإبداعي وحل المشكلات، وطرائق الشعور المتعددة مثل التعاطف والاهتمام، وأساليب العمل مثل التواصل والعمل الجماعي، إلى جانب المهارات التكنولوجية والحياتية الأخرى، مثل المسؤولية والاستقلالية وغيرها.

وحتّى يؤدي المعلّم هذا الدور الكبير، والذي لا يخلو من التعقيد في معظم الأحيان، فإنه يحتاج إلى قدر كاف من القدرة على اتخاذ القرارات وتحمّل المسؤوليات تجاهها، وهو ما يدفعنا إلى أنّ ننادي باستقلالية المعلم أولًا، حتى يكون قادرًا على تنشئة جيل مستقل متسلحٍ بمهارات الحياة والتعلّم المستمر.

يهدف هذا المقال إلى تعميق النقاش حول مفاهيم (الاستقلالية) لدى كل من المعلّم والمتعلّم، ودورها في تحسين التعلّم وصناعة نموذج تربوي يسهم في إصلاح المنظومة التعليمية.

مفهوم الاستقلالية ( Independence )

الاستقلالية كما في معاجم اللغة هي مصدر صناعي من “الاستقلال”، الذي يعني الانفراد بتدبير الأمور وإدارة الشؤون، وهي حقّ الفرد أو الجهاز أو الجماعة في تنظيم شؤونها الداخليّة بحرِّيَّة مطلقة دون التأثُّر بعامل خارجيّ، ومن ذلك ترسيخ مبدأ استقلاليّة القضاء، واستقلالية الجامعات.

ويعرّف بعض علماء النفس والاجتماع الاستقلالية بأنها عدم الخضوع لتحكم الآخرين، والقدرة على التصرف بمسؤولية شخصية دون اعتماد على الآخرين أو تعلّق بسلطة، فهي شعور الفرد بالكفاية الذاتية، كما أنّها سلوك إيجابي يجعل الفرد يعتمد على نفسه ويتخذ قراراته، ويتحمل المسؤولية في المواقف الاجتماعية.

ويمكن أن نستنتج من التعريفات السابقة أن الاستقلالية في مفهومها العام حقّ إنسانيّ، يتوافق مع الفطرة ويتّسق مع ما جاءت به الأديان والشرائع السماوية، والقوانين البشرية. وكلما زادت الاستقلالية زادت المسؤولية واتسعت دائرة المحاسبية.

الاستقلالية في الحقل التربوي

تتناول الأدبيّات التربوية الاستقلالية من نواحٍ عدّة، منها استقلالية المؤسسات التعليمية، واستقلالية المتعلّم، واستقلالية المعلّم. وسيقتصر هذا المقال على استقلالية كلّ من المتعلّم والمعلّم لارتباط كل منهما بالآخر ارتباطًا وثيقا.

المتعلّم: من التبعيّة إلى الاستقلاليّة

تعني استقلالية المتعلّم قدرته على القيام بالمبادرة الذاتية للتعلُم بنفسه، والتصرف في المواقف والسياقات المُختلفة. ويشمل ذلك القدرة على أخذ قرارات واعية واتباعها، وكذلك كفاءة المُتعلم في خلق بيئة تعلُم ملائمة خاصة به. ويُعتبر اختيار الناس والمواقف التي تُساعد في التّعلم وكذلك التأمل في عملية التعلم ككل، جُزءًا من المهارات والكفايات التي تُدمَج ضمن هذا المُصطلح.

ويمكننا القول بأنّ الاستقلالية هي قدرة المتعلم على تحمل مسؤولية تعلُّمه، وقدرته على التأمل النقدي، مما يؤهله لأن يكون في المستقبل عضوًا فاعلًا ومؤثرًا في المجتمع، يتمتّع بحس المسؤولية وروح المبادرة التي تجعله يقود الإصلاح.

لذا فإنّ من أهمّ أدوار معلم القرن الحادي والعشرين أن يدعم استقلالية المتعلمين، وذلك بتشجيعهم ليكونوا مشاركين في تحديد أهدافهم، وتحقيق تعلمهم، وذلك من خلال مساندة المعلم للمتعلمين في صياغة أهدافهم التعليمية التي تناسب قدراتهم، وإثارة دافعيتهم لأجل تحقيقها، وتقديم التغذية الراجعة التي تحسّن أداءهم.

فهناك عدة استراتيجيّات يمكن للمعلّم اتّباعها لتدريب المتعلمين على الاستقلاليّة وبما ينعكس إيجابًا على تعلمهم؛ كأن يجري المعلم استبانات حول العادات الدراسية لدى المتعلمين، وأن يُسند إليهم مهام تعليم أقرانهم، وتقييم أدائهم تقييمًا ذاتيًا والمشاركة في تقييم أعمال الآخرين، وغير ذلك مما يعزّز الاستقلاليّة لديهم.

إنّ استقلالية المتعلمين من شأنها أن تعمل على تحفيزهم وإثارة دافعيتهم وشغفهم بالتعلّم، مما يتطلّب تغيير الصورة النمطيّة عن دور المعلّم بأن يظلّ مهيمنًا على تعلّم الطلبة.

استقلالية المعلّم: بين المعقول واللا معقول

ربما يُبدي بعض التربويين انزعاجهم من مجرّد طرح أفكار تدعو إلى الاستقلاليّة في المؤسسات التربوية، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها: الصورة القاصرة التي ترى المعلّم (موظفًا) يؤدي مهام محددة وفق ضوابط مهنية دقيقة، دون النظر إلى كونه مربيًا قبل أن يكون معلمًا، ويقتضي دوره التربوي أن يتعامل مع نفوس وعقول بشرية بينها من الاختلافات والفروق ما لا يدركه إلا الخبراء والمعلمون أنفسهم. كما أنّ الممارسات الخطأ التي واكبت حركة المدارس المستقلّة التي انطلقت في تسعينات القرن الماضي، قد أسهمت كثيرًا في تعزيز مخاوف البعض من هذا الطرح.

ورغم هذه المخاوف، فقد أكّدت الأبحاث المتزايدة إلى أنّ شعور المعلم بالاستقلاليّة من شأنه أن يزيد دافعيته للأداء بما ينعكس إيجابا على تعلّم الطلبة.

وتنطلق فلسفة الاستقلالية من عدة مرتكزات منها:

  • الفطرة البشريّة: فالاستقلالية سلوك إيجابي، ينسجم مع الفطرة والتشريعات الدينية، التي تقوم على مبدأ التخيير، قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة: 256]
  • المسؤوليّة الفرديّة: استقلاليّة المعلّم تتيح الفرصة لإكساب المتعلمين الاستقلاليّة وتحمّل مسؤوليّة تعلّمهم. كما أنّ الاستقلالية تجعل المعلّم مسؤولًا عن اختياراته بشأن تربية وتعليم الطلبة.
  • النظريات الإداريّة: تتسق الاستقلالية مع النظريات الإدارية الحديثة، مثل نظرية الحاجات “لأوسلو”، ونظرية (Y) “لماك غريغور” التي تفترض أنّ كلّ موظّف يحبّ العمل ويتحمّل المسؤولية إذا هُيئت له الظروف الملائمة.
  • النظريّات النفسيّة: تنسجم الاستقلالية مع النظريات النفسية التي تتعلّق بالإبداع وبعمل الدماغ، فالاستقلالية محفّز جيّد على التفكير الإبداعي والابتكار.
  • الضوابط المهنيّة: تُراعي الاستقلاليّة المعايير والضوابط المهنيّة، والثوابت التربويّة، ولا تقبل خرقها أو مخالفتها.

إنّ تعزيز مبدأ الاستقلالية وترسيخ ممارساتها يحتّم على المؤسسات التربوية إجراء إصلاحات واسعة النطاق، تشمل التشريعات والسياسات التربويّة والتعليميّة، وأنظمة التدريب والتطوير المهني والإشراف التربوي وغيرها من العوامل المؤثرة في الأداء التعليمي والتربوي.

السياسات التعليمية والاستقلاليّة:

ينبغي لوزارات التعليم تطوير سياسات التعليم واستراتيجيّاته؛ لتكون أكثر انسجامًا مع مبدأ استقلالية المعلّم، وذلك بوضع معايير تنافسيّة لاختيار أكفأ الأطر (الكوادر) البشرية للالتحاق بمهنة التعليم، ومن ثمّ تمكين المعلّم من الحصول على التدريب وفرص التطوير المهني عالية الجودة، واتخاذ تدابير ملموسة لتوفير الأجور والحوافز الملائمة، والمسارات الوظيفيّة التي تكفل الترقّي الوظيفي العادل، مع وضع الآليات التي تضمن مشاركة المعلمين في وضع السياسات وصناعة القرارات التي تتعلّق بإعداد المناهج وأنظمة التقويم التربوي، فضلا عن التمتع بالاستقلال المهني في اختيار استراتيجيات التدريس وأساليب التقويم، على أن تعزز سياسات التعليم كل ما من شأنه أن يضمن توفير بيئة عمل آمنة وجاذبة تحقّق الأمان الوظيفي للمعلّم.

التنمية المهنية مدخل للاستقلالية:

مما لا شكّ فيه أنّ التطوير المهني للمعلّم ضرورة، وذلك في ظلّ التدفّق المعرفي والثورة التكنولوجية الهائلة التي لا تكاد تتوقف.

وإذا أردنا لأداء المعلّم أنّ يتحسّن، فعلينا أن نمنح المعلّم المزيد من الخيارات لأجل التطوير والتنمية المهنيّة، فقد أثبتت الكثير من الدراسات أنّ برامج التطوير المهني التي تعدّ بمنأى عن المعلمين وتُفرض عليهم، هي في الغالب لا تسهم في تطوير الأداء، فقد أكّدت دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  (OECD) أن برامج التطوير المهني التي تأتي في السياق المدرسي، وتركّز على تعاون المعلمين مع زملائهم في معالجة الممارسة، هي أكثر تأثيرًا في تطوير أداء المعلمين.

وتتّبع كثير من الدول المتقدّمة أساليب متنوّعة في التطوير المهني، تتّسق مع خبرات المعلّمين وتدرّجهم في المسار الوظيفي، حيث تتاح برامج الإعداد والتدريب والإرشاد للمعلّم الجديد في سنته الأولى، وهي برامج إلزامية في بعض الدول مثل سنغافورة، وغير إلزاميّة في دول مثل كوريا الجنوبيّة، والصين. وإلى جانب الاهتمام بإعداد المعلّم الجديد، تتاح للمعلمين ذوي الخبرة فرص إعداد الدراسات والمشاريع المهنية وحضور المؤتمرات على نفقة الدولة، وإجراء الحوارات والمناقشات مع الزملاء.

خلاصة القول أنّ التطوير المهني الفعّال يتطلّب إعطاء المعلم الاستقلالية الكافية وتوفير الفرص والموارد اللازمة للتنمية المهنية الذاتية، على أن تدمج أنشطة التطوير المهني ضمن واجبات المعلّم اليوميّة، حتى لا تكون خصمًا على أدائه التدريسيّ.

الإشراف التربوي: مزيد من الثّقة

رغم التطوّر التاريخي الذي شهده الإشراف التربوي ابتداءً من مرحلة التفتيش ثم التوجيه فالإشراف؛ إلّا أنّ كثيرًا من ممارسات الإشراف التربوي في الدول العربية ما زالت تقترب من التفتيش والتوجيه، الأمر الذي يتنافى مع استقلالية المعلّم.

فقد شاع في العرف التربوي أنّ الدور الأهم للمشرف التربوي هو ملاحظة أداء المعلم داخل الغرفة الصفيّة، ومن ثمّ تقديم الملاحظات وتوصيات التحسين، ومتابعة أداء المعلّم للتحقّق من تنفيذ تلك التوصيات، ويرى كثير من التربويين قصور هذا الدور لأسباب عدّة منها: أنّنا عمومًا لسنا جيدين في تقييم الآخرين، لذا فإنّ افتراض الجودة المطلقة في ملاحظة المشرف التربوي هو افتراض غير دقيق؛ لأنها تتأثّر غالبًا بالذاتيّة والرؤية الشخصيّة، وربما تفتقد إلى المزج بين النظرّية والممارسة ، كما أنّ إخبار المعلم بمواطن الإخفاق يُثبّط عملية التعلّم ولا يحفزّها، لأنه ينقل المعلم إلى وضع الدفاع مما يشلّ عملية التعلّم.

إنّ إصلاح الإشراف التربوي يبدأ بإيجاد مزيد من الثّقة بين المشرف والمعلّم، مما يترتب عليه مشاركة المعلمين في مراحل الإشراف التربوي.

ويمكن أنّ يكون “الإشراف التحفيزي” نموذجًا جيّدًا لتعزيز استقلاليّة المعلّم، ومن ثمّ تطوير أدائه وتحسين تعلّم الطلّبة، فهو نمط من أنماط الإشراف الحديث يهدف إلى إثارة التفكير لدى كل من المشرف والمعلّم لإيجاد حلول مبتكرة، وذلك من خلال توظيف محفّزات التفكير والأسئلة الفعّالة حول تعلّم الطلبة.

يقوم “الإشراف التحفيزي” على المزج بين خبرات المشرف وقدرات المعلّم، وأنّ كليهما شريك في العملية التعليميّة، لذا يؤصّل هذا النوع من الإشراف لقيم التحفيز، والمشاركة، ويعتمد على الحوار المتعمّق والتغذية الراجعة الفعّالة، ويوفّر بيئة آمنة للمعلّم تشجّع على الابتكار والإبداع. ولا يقتصر نموذج الإشراف التحفيزي على الملاحظة الصفيّة، بل هو نموذج يمكن تطبيقه في جميع ممارسات التعليم والتعلّم. ويوضّح الشكل التالي مراحل الإشراف التحفيزي في الممارسات التربويّة:

نموذج الإشراف التحفيزي (عبد الباقي،2021)

حريّة التدريس: حقّ للمعلّم

وبشأن حريّة التدريس فإنّ تعقيدات التعليم والتعلّم تجعل من الصعب وصف حلول تصلح لكل المواقف التدريسية؛ الأمر الذي يقتضي مزيدًا من استقلالية المعلّم للتكيّف مع المواقف المختلفة والتصرّف بابتكار بدائل تساعد على تعلّم الطلبة.

لذا يرى بعض التربويين أنّ حرية التدريس تقتضي أن يتحكّم المعلمون بقدر كاف في المحتوى التعليمي، ووسائل التعليم، وطرائق تقييم تعلّم الطلبة وأساليب ضبط سلوكياتهم؛ إلّا أنّ دراسة استقصائية أجريت حديثًا أفادت بأنّ ” واحدًا من كل أربعة معلمين لا يتحكم مطلقًا -أو يتحكم قليلًا- في الكتب التي يستخدمها، والمحتوى الذي يدرسه، ووسائل التعليم التي يستخدمها، وطريقة تقييم الطلاب ومساعدتهم على الانضباط، فضلًا عن كمية الواجب المنزلي الذي يطلبه منهم”.

المسارات الوظيفية: تدعم الاستقلاليّة

تفتقر معظم النظم التعليمية إلى سلّم وظيفي واضح لمسارات المعلّم المهنيّة، إذ يقتصر السلّم الوظيفي في مهنة التعليم على الانتقال من المهام التدريسيّة إلى مهام إشرافيّة وإداريّة، بينما اعتمدت النظم التعليميّة في بعض البلدان مثل كندا وشنغهاي وسنغافورة مسارات وظيفية محدّدة توضّح المستوى الاحترافي للمعلم، وفق معايير مثل المؤهلات الدراسيّة وسنوات الخدمة، وتقييم الأداء، واجتياز البرامج التدريبية.

لذا فإنّ من الأهمية بمكان أن تسعى النظم التعليمية إلى توفير مسارات وظيفيّة لمهنة التعليم، شأنها شأن المهن الأخرى مثل الطبّ والهندسة والعسكريّة. فذلك من شأنه أن يعزّز مهارات المعلم، ويدعم استقلاليّة أدائه، فكلما اتسعت خبرة المعلم وحقّق معايير الارتقاء في السلّم الوظيفي، تمتّع بمزيد من الاستقلاليّة، والحريّة، والحوافز الماديّة، والمعنويّة.

المساءلة والتقييم: نظرة شموليّة

يتسع مفهوم المساءلة في الأدب التربوي ليكون مرتكزًا للإصلاح التربوي الشامل، إلّا أننا نتناول ما يتعلّق بمساءلة المعلمين في ضوء الاستقلالية؛ إذ تأتي أهميّة مساءلة المعلّم انطلاقًا من دوره الكبير في تربية وتعليم الطلبة، إلّا أنّ كثرة العوامل المؤثرة في تعلّم الطلبة سلبًا وإيجابًا يزيد من تعقيدات المساءلة.

ويعدُّ تقييم أداء المعلّم صورة من صور المساءلة التربويّة المعتمدة في أغلب الأنظمة التعليميّة، لذا فمن المهم أنّ يكون التقييم متّسقًا مع التطوير المهني، والإشراف التربوي، والمسارات الوظيفيّة، حيث تشكّل كل هذه العناصر مدخلات للتقويم التكويني لأداء المعلّم، وهو -أي التقويم التكويني- جزء مهمّ من تقييم الأداء الكمّي النهائي.

وعلى الرغم من الأبحاث التربويّة التي تدعو إلى شمولية التقييم، لتشمل جوانب العملية التعليمية والتربوية كافّة، إلّا أنّ كثيرًا من النظم التعليمية تعتمد على نتائج الطلبة في تقييم المدارس والمعلمين، فقد أشار التقرير العالمي لرصد التعليم 2018 والصادر عن منظمة اليونسكو إلى أنّ: مساءلة المدارس بسبب نتائج الامتحانات لا تؤدي إلى تحسين التعلم.

ولعلّ من نماذج التقييم الشامل والذي يعزّز استقلاليّة المعلّم، تقييم الأداء بطريقة (360) درجة، أو ما يعرف بالتقييم المحيطي، وهو تقييم يعتمد الشموليّة؛ من حيث تنوّع الأدوات والأساليب، وينطلق من المعايير المهنية للمعلم، وتستند أدلّة التقييم على ممارسات المعلم التدريسية، والتقييم الذاتي وتقييم الأقران، وملف إنجاز المعلّم، واستطلاع آراء الطلبة وأولياء أمورهم، ونتائج تعلّم الطلبة.

إنّ اتّباع التقييم المحيطي من شأنه أن يقلّل فرص التحيّز، وضعف البيانات، الذي يصاحب التقييم التقليدي الذي يجريه الرئيس المباشر؛ لذا يُعدُّ التقييم المحيطي أكثر واقعيةً وموضوعيّة وفاعلية.

وفي كل الأحوال ينبغي أن يكون التقييم أداةً مساندة للمعلمين وعاملًا لبناء الثقة، ومشجعًا على الإبداع والابتكار، ومعزّزًا للفهم المشترك والعمل التشاركي لأجل تحقيق أهداف التعلّم.

والجدول الآتي يُلخّص المقارنة بين الأنظمة التعليمية التقليديّة والأنظمة الحديثة في بعض المجالات المؤثرة في استقلالية المعلّم:

المجال الأنظمة التقليديّة الأنظمة الحديثة
التطوير والتنمية المهنية –    يتم وفق خطط قصيرة المدى، لأهداف طارئة أو موقتّة، ودون مشاركة فاعلة من المعلمين في إعداد الخطط ولا في تصميم التدريب. 

–   يُفرض التدريب من جهة مركزيّة، ويعتمد على المحاضرات وورش العمل التي يقيمها خبراء، وتتم خارج المؤسسة التعليميّة.

–    لا تُقدَّم حوافز للمعلمين نظير مشاركتهم، لذا يُحجمون عن المشاركة فيه، لما يشكّله من عبء.

–    ينطلق من الاحتياجات الفعلية للمعلمين وفق خطّة استراتيجية يشترك المعلمون في إعدادها. 

–    يعتمد المدرسة كوحدة للتطوير والتنمية المهنيّة، وتتنوّع أساليب التطوير لتشمل: المحاضرات وورش العمل، الإرشاد، التدريب الشخصي Coaching، الندوات والمؤتمرات، الأبحاث، والمجتمعات المهنيّة.

–    يحصل المعلم على حوافز وترقيات نظير مشاركته في برامج التطوير المهني.

الإشراف التربوي –    يعتمد على التفتيش والتوجيه، ويفترض أنّ أغلب المعلمين غير أكفاء. 

–    يُركّز على الجوانب الشكليّة في أداء المعلّم؛ لأنها سهلة الملاحظة والقياس.

–   يقدّم حلولا للمشكلات التربوية من وجهة نظر المشرف التربوي.

–    ينطلق من قدرات المعلّمين، ويقدّر مؤهلاتهم وخبراتهم. 

–    يتعمّق في استكشاف كل ما يتعلّق بتعلّم الطالبة.

–    يستخدم الحوار ومحفّزات التفكير والأسئلة الفعّالة التي تُشجّع المعلّم على ابتكار الحلول وتبنّيها.

حريّة التدريس –    يُلزَم المعلّم إلزامًا صارمًا بالمحتوى التعليمي وفق مصادر التعلّم المقرّرة من المؤسسة التعليمية. 

–    يُلزم المعلّم بنماذج تخطيط الدروس، وطرائق العرض والتدريس، ووسائل التعليم والواجبات والتطبيقات والتقييمات كمّا وكيفًا.

–    يتحكّم المعلّم في المحتوى التعليمي في إطار المعايير وذلك بالإثراء والحذف والتقديم والتأخير حسب ما يقتضيه الموقف. 

–    يتحكّم المعلّم في تخطيطه لتعلّم الطلبة، وطرائق التدريس وأساليب التقييم وفقًا لخبرته وبما يناسب مستويات الطلبة.

المساءلة والتقييم –    يُقيّم أداء المعلّم خارج سياق التطوير المهني والإشراف التربوي والمسارات الوظيفيّة. 

–    يتوقّف التقييم على رأي مدير المدرسة، دون رأي المعلم، وزملائه والطلبة وأولياء الأمور.

–   يركّز التقييم على العناصر الإداريّة سهلة القياس، مثل انضباط المعلم بساعات العمل، ونتائج التحصيل الدراسيّ.

–    غالبا ما توظّف نتائج التقييم في القرارات الإداريّة.

–    يُقيّم أداء المعلّم ضمن السياق العام للتطوير المهني والإشراف التربوي والمسارات الوظيفيّة للمعلّم. 

–    يقوم على التقييم الشمولي، أو التقييم المحيطي.

–    يقيس التقييم عناصر إدارية وتربويّة وتعليميّة أكثر عمقًا، ولا يقتصر على نتائج التحصيل الدراسي.

–    توظّف نتائج التقييم في التحسين وتطوير الأداء والقرارات الإداريّة على حدّ سواء.

 

الخاتمة

لا شكّ أنّ إصلاح التعليم يتطلّب إجراء مراجعة شاملة للسياسات التي تتبنّاها الأنظمة التعليميّة؛ لتخليص تلك السياسات من الموروث التقليدي الذي أقعد بالعملية التعليميّة لسنوات، وأفرز العديد من المشكلات في المستويات كافّة.

ومن المؤسف أنّ معظم حركات إصلاح التعليم -وفي الوطن العربي خاصّة- وبرغم استنزافها الكثير من الموارد الماليّة والبشريّة، لم تكن ذات مردود فاعل على مخرجات التعليم؛ وذلك لأنها في الغالب تفتقد إلى الاستراتيجية والاستدامة والشموليّة، وتركّز على شكليّات في الإصلاح والتغيير.

لذا فقد بات من الضروري أن ينطلق إصلاح التعليم من العامل الأكثر تأثيرًا، وهو المعلّم، فإذا صلح المعلّم صلح التعليم كله.

تعليم جديد