أخبار عاجلة
الرئيسية / شرق و غرب / رغم الحرب ونقص التمويل.. أكاديميون يمنيون وليبيون يكافحون لاستكمال أبحاثهم
رغم الحرب ونقص التمويل.. أكاديميون يمنيون وليبيون يكافحون لاستكمال أبحاثهم

رغم الحرب ونقص التمويل.. أكاديميون يمنيون وليبيون يكافحون لاستكمال أبحاثهم

Spread the love

الأبحاث العلمية

بينما ما تزال ليبيا واليمن تعانيان تداعيات الحرب، والانقسام السياسي الحاد، ورغم غياب التمويل اللازم للبحث العلمي، يكافح أكاديميون من البلدين لمواصلة مسارهم البحثي، مدفوعين بحوافز شخصية ومهنية، بهدف حل المشكلات المجتمعية، فضلًا عن إلزامية ذلك بهدف الترقية.

في اليمن المُنقسم بسبب الحرب، وحتى في جنوب البلاد حيث تواصل الجامعات دفع الرواتب، لم تخصّص الجامعات الحكومية أموالًا للبحث العلمي منذ عام 2015. ويقول محمد باعزب، نائب مدير العلاقات الدولية بجامعة عدن في اليمن، «لكن هذا لا يعني أنه لم تُجر بحوث في تلك الفترة».

وأوضح: «لا تزال جميع الجامعات تجري الأبحاث، من الأساتذة وحتى طلاب الدراسات العليا، ولكن يتعين عليهم تمويلها بأنفسهم. هناك عوامل تدفع الأساتذة إلى إجراء البحوث؛ فتراه يقول: ليس لدي التمويل الكافي ولكن هذا عملي. أريد تحسين عملي ومساعدة مجتمعي. أريد الحصول على ترقية أيضًا».

وأضاف: «إذا ما أراد أستاذٌ مساعد أن يصبح أستاذًا مشاركًا أو أراد أستاذٌ مشارك أن يصبح أستاذًا، فعليه تقديم بحثٍ علمي وطباعته في مجلات علمية مرموقة. لكنهم قد يضطرون إلى تمويل ذلك من رواتبهم الخاصة».

لا تمويل حكومي للبحوث

وبحسب الفنار للإعلام قال «باعزب»، وهو أيضًا طبيب أطفال في كلية الطب بجامعة عدن، إن ذلك واقع الجامعات الحكومية فقط. وتابع: «لا تزال الجامعات الخاصة تخصّص ميزانية للبحوث. يضم جنوب اليمن 22 محافظة، وتوجد تقريبًا جامعة حكومية في كل محافظة. كان عدد سكان عدن 500 ألف نسمة فقط قبل الحرب، ولكن مع تمركز الحكومة الانفصالية هنا، أصبح عدد السكّان الآن مليوني نسمة. لا تزال هناك جامعة حكومية واحدة فقط ولكن عدن وحدها تضم سبع جامعات خاصة».

وقال «باعزب» إن لديه زملاء في شمال اليمن و«سمع أنهم يضطرون إلى أخذ الرسوم من طلابهم لتأمين تكاليف العيش، لكن الدراسة والحياة مستمرة». وشرح واقع الأمر أكثر بالقول: «وزارة التعليم ضعيفة جدًا في الشمال، لكن نظام التعليم الخاص قوي جدًا هناك أيضًا. لا يعتمد اليمنيون بشكلٍ عام على الأجور الحكومية. بإمكان الموظفين الحكوميين مزاولة عملٍ آخر. إنهم يعملون من الساعة 8 صباحًا حتى 1 ظهرًا، وهكذا يكون بإمكانهم العمل في فترة ما بعد الظهر».

وفي جامعة عدن، قال «باعزب» إن السلطات توافق بشكل روتيني على طلبات أعضاء هيئة التدريس للقيام بوظيفة ثانية. قال: «إنهم يقولون: نعم، قُم بهذا العمل لتتمكّن من تحسين وضعك، طالما أنك ستحضر في الأوقات الرسمية للمحاضرات وندوات الكلية».

فقدان التبادل الدولي

وقال «باعزب» إن جامعة عدن تضم 24 كلية وأكثر من 30 ألف طالب. أضاف: «كنا نعقد مؤتمرًا سنويًا لكل كلية بحضور أساتذة زائرين، لذلك كان المؤتمر دوليًا. وهذا مهم للتدريب، كما هو حال وجود الطلاب الأجانب».

لكنه قال إنه ليس للجامعة أساتذة أو طلاب أجانب الآن. قال: «كنا نتعاون مع جامعات أخرى في كوبا وإيطاليا وألمانيا والمملكة العربية السعودية، لكن الآن لا يأتي أحد إلى اليمن».

«إذا كنتُ طالب ماجستير أو دكتوراه، ستخبرُني الجامعة بوجوب أن أنشر أبحاثي في مجلة عالية الجودة. تمنح بعض المجلات خصومات، لكن لا يمكنك الحصول عليها دائمًا. لذلك يصعُب نشر نفس القدر من البحث العلمي كما كان من قبل».

أما بالنسبة لإرسال الطلاب اليمنيين إلى الخارج، فأوضح أن «هناك دولتين فقط تسمحان لليمنيين بالدخول دون تأشيرة، مصر والسودان، ومن سيرغب في الذهاب إلى السودان هذه الأيام؟».

ويشير الأكاديمي اليمني إلى تأسيس أساتذة من كوبا، في العام 1975، كلية الطب في جامعة عدن. وقال إنه خلال السنوات العشر الأولى شكّل الكوبيون ما يقرُب من 90% من أعضاء هيئة التدريس، وأعدّوا أيضًا برنامج الماجستير، لكنهم غادروا جميعًا الآن. ويضيف: «لا نواجه مشكلة فيما يخصّ برامج الماجستير والبكالوريوس؛ لدينا كوادر، لكن بالنسبة لطلاب الدراسات العليا، فلدينا كوادر لإدارة برامج الماجستير فقط، ولا كوادر لإدارة برامج الدكتوراه».

وعن تفاصيل ما تواجهه جامعته، مضى قائلًا: «أذكر هذا لأنه يتعلق بالبحث العلمي. يُجري الطلاب الجامعيون بحثًا بسيطًا تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس عندنا، ولكن بالنسبة لدرجة الماجستير، يجب على كل طالب تقديم بحثين علميين على الأقل. يجب أن يكون لديهم مشرفين اثنين، لكن ذلك لا يتوافر لهم. وهذا ينطبق على الكليات العلمية، مثل: الطب، والهندسة، والصيدلة، وطب الأسنان حيث يصعُب الدراسة لنيل درجة الدكتوراه. بالنسبة لكليات تعليم الكبار وأقسام التاريخ والتراث الثقافي، فالأمر سهل لأنها لا تعاني نقصًا في الكوادر ذات الخبرة».

علاوة على ذلك، تشكّل تكلفة النشر مصدر قلقٍ آخر. قال «باعزب»: «إذا كنتُ طالب ماجستير أو دكتوراه، ستخبرُني الجامعة بوجوب أن أنشر أبحاثي في مجلة عالية الجودة. تمنح بعض المجلات خصومات، لكن لا يمكنك الحصول عليها دائمًا. لذلك يصعُب نشر نفس القدر من البحث العلمي كما كان من قبل».

تجنُّب تفاقم الأوضاع سوءًا

ويقول الأكاديمي اليمني إن سلطات التعليم العالي  بعدن وعدت بتحسين الوضع بعد أن هدد الأساتذة بالإضراب. أضاف: «تواصلنا مع وزير التعليم العالي ورئيس الجامعة والسلطات المحلية، لكنهم قالوا: من فضلكم. نحن في حالة حرب. لا تتوقفوا عن تعليم الطلاب، فهذا سيجعل الوضع أسوأ».

وأوضح أنه حتى لو عاد تمويل البحث العلمي إلى مستويات ما قبل الحرب، فإن المبلغ لن يكون كافيًا. قال: «قبل الحرب، كان الدولار الأمريكي يساوي 200 ريال يمني، والآن يساوي 1,500 ريال يمني».

رغم الحرب ونقص التمويل.. أكاديميون من ليبيا واليمن يكافحون لاستكمال أبحاثهم
د. محمد باعزب، نائب مدير العلاقات الدولية بجامعة عدن اليمنية 

وقال «باعزب» إن التقارير الإعلامية حول اتفاق سلامٍ محتمل مشجعة. أضاف: «نأمل أن يحصل العديد من الطلاب على مساعدة دول الجوار. ولكن، مع الوضع في غزة، ربما يكون الوضع اليوم أفضل مما سيكون عليه في المستقبل. نحن بحاجة إلى الحفاظ على هذا المستوى على الأقل».

اقرأ ايضاً”الكيان الصهيوني يدمر مؤسسات أكاديمية في غزة.. و استنكار طلابي عالمي 

معوقات البحوث في ليبيا 

على صعيدٍ مماثل، تركت الحرب ليبيا منقسمة أيضًا، حيث توجد حكومتان متنافستان في شرق البلاد وغربها.

أخبر الدكتور جمال أبو بكر، مدير إدارة البحث العلمي والاستشارات بجامعة سبها «الفنار للإعلام»، أن البحث العلمي في ليبيا يواجه الكثير من المعوقات. وقال: «ليس من المعتاد العثور على تمويل للأبحاث من قبل الحكومة أو الشركات الخاصة».

وأضاف أن العلماء يحاولون إقناع المسؤولين الحكوميين بفائدة دعم الأبحاث للمجتمعات. وقال: «تبقى البحوث العلمية حبيسة الجامعات ومراكز الأبحاث فقط لتزويد العلماء بالمعرفة حول موضوعهم. لا يتم استخدامها لخدمة المجتمع. وليست هذه مشكلة حديثة».

وأضاف: «إذا ما تمكنا من إقناع المجتمع بأنه بإمكان البحث العلمي أن يكون مهمًا جدًا لحل المشكلات، فقد تكون تلك الخطوة الأولى باتجاه الحل. يجب أن تعلن عن أولوياتك البحثية حتى لا تستهلك الموارد المحدودة في شيءٍ لا يخدم المجتمع. هذه هي الخطوة الأولى حتى تتمكن المجتمعات من إدراك أهمية البحث العلمي بالنسبة لهم بوضوحٍ شديد».

ومن الأبحاث العلمية الليبية التي تم تجاهلها تقرير عالم الهيدرولوجيا عبد الونيس عاشور المنشور في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حول حوض وادي درنة. ونشر «عاشور»، الأستاذ بجامعة عمر المختار بمدينة البيضاء، دراسته في مجلة جامعة سبها للعلوم الصرفة والتطبيقية. وخلُصت إلى أن منطقة الدراسة «عُرضة لمخاطر الفيضانات بشكلٍ كبير. ولذلك تحتاج سدود حوض وادي درنة إلى صيانة دورية. كما أن زيادة الغطاء النباتي مطلوبة أيضًا للحد من ظاهرة التصحر».

لم يفعل أحدٌ شيئًا، وبعد عشرة أشهر، انهار سدان أثناء هطول الأمطار الغزيرة، مما أدى إلى حدوث فيضان مفاجئ دمر مدينة درنة الواقعة أسفل مجرى النهر. وقدّرت السلطات الصحية التابعة للحكومة في شرق ليبيا فقدان 6,000 شخص من درنة وحدها. ويُعتقد أن بعض الجثث قد جرفتها المياه إلى البحر، لذا لن يُعرف أبدًا العدد الدقيق للضحايا. واعترف نائب رئيس بلدية درنة بأن السدود لم تتم صيانتها منذ عام 2002.

معالجة المشاكل المحلية

جامعة سبها واحدة من حوالي 30 جامعة في ليبيا، وجميعها تقريبًا مؤسساتٌ حكومية، حيث توجد لوائح صارمة لتأسيس جامعات خاصة، وعادةً ما تكون منظماتٍ غير ربحية.

وتقع مدينة سبها في الصحراء جنوب غرب ليبيا، على بعد 640 كيلومترًا جنوب طرابلس، وهي منطقة تعاني من عنف العصابات.

قال «أبو بكر» إن ظروف المدينة تتحسن، موضحًا: «في العام الماضي، كان الناس يموتون كل يوم بسبب القتال والجرائم، وسرقة السيارات واحتجاز الرهائن مقابل الفدية. لم تكن لترغب في السير في الشارع حاملًا هاتفك المحمول، فسوف تتعرض للسرقة على الفور. لكنها أصبحت أكثر أمانًا مقارنة بما كانت عليه قبل عامين أو ثلاثة أعوام. في الصيف، استقدمت الحكومة في غرب البلاد (ومقرها طرابلس) الشرطة والجيش وبدأت في السيطرة على الطرق الرئيسية، بحثًا عن الأسلحة واعتقال المجرمين».

«ليس من المعتاد العثور على تمويل للأبحاث من طرف الحكومة أو الشركات الخاصة. تبقى البحوث العلمية حبيسة الجامعات ومراكز الأبحاث فقط لتزويد العلماء بالمعرفة حول موضوعهم. لا يتم استخدامها لخدمة المجتمع. وليست هذه مشكلة حديثة».

جمال أبوبكر، مدير إدارة البحوث والاستشارات العلمية بجامعة سبها، ليبيا. 

يبدو «أبو بكر»، وهو عالم في ميكروبيولوجيا التربة، متفائلاً أيضًا بشأن مستقبل البحث العلمي في بلاده. ويعتقد أن جامعته في سبها يمكن أن توفر الحل لمشكلة بيئية كبرى.

قال: «تتسرّب مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية، مما يسبب تلوثًا كبيرًا. قمنا بتحليل عينات من 12 بئرًا داخل المدينة لإثبات تلوّثها بالمعادن الثقيلة والبكتيريا. هناك مشكلة في مياه الصرف الصحي، إذ تتزايد حالات الإصابة بالكثير من الأمراض في المدينة وهذا هو السبب».

أضاف: «كشفنا عن ذلك للسلطات المحلية، وبدأوا في الاستجابة ولكن شيئًا لم يحدث بعد ذلك. كان ذلك قبل ثمانية أشهر ولكننا لن نرى أي تحسن حتى نتمكن من جعل عامة الناس وصناع القرار الحكوميين يقفون إلى جانبنا بإثبات قدرتنا على إنجاز عملٍ أفضل».

واختتم بالقول: «أنا متفائلٌ بأنهم سوف يستمعون إلينا عندما يرون إمكانيات العلم وقدرتنا على تقديم حل. يريد الجميع حلولًا، وأعتقد أنه يمكننا إشراك جامعة سبها في حل مشكلة مياه الصرف الصحي في المدينة».

https://www.facebook.com/ymnedunews.net